فصل: تفسير الآية رقم (71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (70):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [70].
{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} أي: لا يمدون إليه أيديهم: {نَكِرَهُمْ} أي: أنكرهم {وَأَوْجَسَ} أي: أحس: {مِنْهُمْ خِيفَةً} لظنه أنهم بشر أرادوا به مكروهاً. والضيف إذا همَّ بفتك لا يأكل من الطعام في عادتهم {قَالُواْ} أي: له لما علموا منه الخوف بإخباره لهم، كما في آية: {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لا تَوْجَل} [الحجر: من الآية 52- 53]. كما قيل هنا: {لاَ تَخَفْ} أي: إنا لا نأكل لأنا ملائكة، ولم ننزل بالعذاب عليكم: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} أي: لإهلاكهم.

.تفسير الآية رقم (71):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [71].
{وَامْرَأَتُهُ قَائمَةٌ فَضَحِكَتْ} أي: سروراً بزوال الخيفة، أو بهلاك أهل الخبائث {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ}. أي: يولد له. والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة، أو أنهما حكيا بعد أن ولدا وسُمَّيا بذلك. وتوجيه البشارة إليها هنا، مع ورود البشارة إلى إبراهيم في آية أخرى، كآية: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101]، {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: من الآية 28]، إيذان بمشاركتها لإبراهيم في ذلك حين ورودها، وإشارة إلى أن ذكر أحدهما فيه اكتفاء عن الآخر، والمقام أمس بذكره وأبلغ. أو للتوصل إلى سوق نبئها في ذلك، وخرق العادة فيه، كما لوح به تعجبها في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (72):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [72].
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى} أي: يا عجبي. وأصله للدعاء بالويل ونحوه، في جزع التفجع لشدة مكروه يدهم النفس، ثم استعمل في التعجب. وألفه بدل من ياء المتكلم، ولذلك أمالها أبو عَمْرو وعاصم في رواية، وبها قرأ الحسن {يا ويلتي}. وقيل: هي ألف الندبة، ويوقف عليها بهاء السكت.
{أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} أي: امرأة مسنة- والأفصح ترك الهاء معها- وسمع من بعض العرب عجوزة- حكاه يونس-: {وَهَذَا بَعْلِي} أي: زوجي إبراهيم: {شَيْخاً إِنَّ هَذَا} أي: التولد من هرمين: {لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} أي: غريب، لم تجر به العادة.

.تفسير الآية رقم (73):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} [73].
{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} أي: أتستبعدين من شأنه وقدرته خلق الولد من الهرمين؟.
قال الزمخشري: وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها؛ لأنها كانت في بيت الآيات، ومهبط المعجزات، والأمور الخارقة للعادات، فكان عليها أن تتوقر، ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيت النبوة، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب، وإلى ذلك أشارت الملائكة صلوات الله عليهم في قولهم: {رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أردوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة، ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة، فليست بمكان عجب. والكلام مستأنف، علل به إنكار التعجب، كأنه قيل: إياك والتعجب فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم- انتهى-.
فالجملة خبرية، وجوز كونها دعائية. و{أهل البيت} نصب على النداء أو التخصيص؛ لأن أهل البيت مدح لهم؛ إذ المراد أهل بيت خليل الرحمن.
{إِنَّهُ حَمِيدٌ} أي: مستحق للمحامد، لما وهبه من جلائل النعم: {مَّجِيدٌ} أي: كريم واسع الإحسان، فلا يبعد أن يعطي الولد بعد الكبر. وهو تذييل بديع لبيان أن مقتضى حالها أن تحمد مستوجب الحمد المحسن إليها بما أحسن وتمجده؛ إذ شرفها بما شرف.

.تفسير الآية رقم (74):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [74].
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} أي: خيفة إرادة المكروه منهم بعرفانهم: {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىْ} أي: بدل الروع: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} أي: في هلاكهم استعطافاً لدفعه.
روي أنه قال: أتهلك البار مع الأثيم، أتهلكها وفيهم خمسون باراً؟ حاشا لك!.
فقيل له: إن وجد فيهم خمسون باراً فنصفح عن الجميع لأجلهم!.
فقال: أو أربعون؟.
فقيل: أو أربعون!.
وهكذا إلى أن قال: أو عشرة، فقيل له. لا نهلكها من أجل العشرة، إلا أنه ليس فيها عشرة أبرار، بل جميعهم منهمك في الفاحشة. فقال: إنه فيها لوطاً! فقيل: نحن أعلم بمن فيها لننجينه.
و: {يُجَادِلُنَا} جواب لما جيء به مضارعاً على حكاية الحال. أو أن لما كلو تقلب المضارع ماضياً، كما أن {إن} تقلب الماضي مستقبلاً، أو الجواب محذوف، والمذكور دليله أو متعلق به.

.تفسير الآية رقم (75):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [75].
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ} أي: غير عجول على الانتقام من المسيء: {أَوَّاهٌ} كثير التأسف: {مُّنِيبٌ} أي: راجع إلى الله في كل ما يحبه ويرضاه. والمقصود بتعداد صفاته الجميلة المذكورة، بيان الحامل على المجادلة، وهو رقة القلب وفرط الترحم.

.تفسير الآية رقم (76):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [76].
{يَا إِبْرَاهِيمُ} أي: قيل له: يا إبراهيم: {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي: الجدال: {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} أي: حكمه بهلاكهم: {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} أي: بجدال ولا بدعاء، ولا بغيرهما.
فوائد:
قال بعض المفسرين: لهذه الآيات ثمرات: وهي أن حصول الولد المخصص بالفضل نعمة، وهلاك العاصي نعمة، لأن البشرى قد فسرت بولادة إسحاق، كما في آخر الآية، وهي: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} إلخ وفسرت بهلاك قوم لوط.
ومنها: استحباب نزول المبشِّر على المبشَّر؛ لأن الملائكة أرسلهم الله بذلك.
ومنها: أنه يستحب للمبشَّر تلقي ذلك بالطاعة، شكراً لله تعالى على ما بُشر به.
وحكى الأصم أنهم جاؤوه في أرض يعمل فيها، فلما فرغ غرز مسحاته، وصلى ركعتين.
ومنها: أن السلام مشروع، وأنه ينبغي أن يكون الرد أفضل؛ لقول إبراهيم: {سَلامٌ} بالرفع، كما تقدم شرحه- انتهى-.
ومنها: مشروعية الضيافة، والمبادرة إليها، واستحباب مبادرة الضيف بالأكل منها.
ومنها: استحباب خدمة الضيف، ولو للمرأة لقول مجاهد: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَة} أي: في خدمة أضياف إبراهيم. قال في الوجيز: وكن لا يحتجبن، كعادة العرب ونازلة البوادي، أو كانت عجوزاً، وخدمة الضيفان من مكارم الأخلاق.
ومنها: جواز مراجعة المرأة الأجانب في القول، وأن صوتها ليس بعورة. كذا في الإكليل.
ومنها: أن امرأة الرجل من أهل بيته، فيكون أزواجه عليه الصلاة والسلام من أهل بيته. ويأتي ذلك أيضاً في آية: {فَأَسْرِ بِأَهْلِك} [هود: من الآية 81] و[الحجر: 65].
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (77):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [77].
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً} أي: بعد منصرفها من عند إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكان مقيماً في بلوط ممرا التي بـ حبرون المدينة المعروفة اليوم بـ الخليل،: {سِيءَ بِهِمْ} أي: ساءه مجيئهم؛ لأنهم أتوه على صورة مُرد، حسان الوجوه، فخاف أن يقصدهم قومه، لظنه أنهم بشر: {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} يقال: ضاق بالأمر ذرعه وذراعه، وضاق به ذرعاً، أي: ضعفت طاقته، لم يجد من المكروه فيه مخلصاً.
قال الجوهري: أصل الذرع: بسط اليد، فكأنك تريد: مددت يدك إليه فلم تنله. وقيل: وجه التمثيل: أن القصير الذراع لا ينال ما يناله الطويل الذراع، ولا يطيق طاقته، فضُرب مثلاً للذي سقطت قوته، دون بلوغ الأمر والاقتدار عليه.
وقال الأزهري: الذرع يوضع موضع الطاقة، والأصل فيه: أن البعير يذرع بيديه في سيره ذرعاً، على قدر سعة خطوه، فإذا حمل عليه أكثر من طوقه طاق به ذرعاً عن ذلك وضعف، ومدَّ عنقه، فجعل ضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع والطاقة.
و{ذرعاً} تمييز، لأنه خرج مفسراً محوَّلاً. الأصل: ضاق ذرعي به، وشاهد الذراع قوله:
وإن بات وحشاً ليلة لم يضق بها** ذراعاً ولم يُصبح لها وهو خاشع

{وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} أي: شديد. وكيف لا يشتد عليه، وقد ألم المحذور، كما قال تعالى:

.تفسير الآية رقم (78):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} [78].
{وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي: يسرعون كأنما يدفعون دفعاً. وقرئ مبنيًّا للفاعل {وَمِن قَبْلُ} أي: قبل مجيئهم: {كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أي: الفواحش ويكثرونها، فمرنوا عليها، وقل عندهم استقباحها، فلذلك جاءوا مسرعين مجاهرين، لا يكفهم حياء، فالجملة معترضة لتأكيد ما قبلها. وقيل: إنها بيان لوجه ضيق صدره، أي: لما عرف لوط عادتهم في عمل الفواحش قبل ذلك: {قَالَ} أي: لوط: {يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أراد أن يقي أضيافه ببناته، وذلك غاية الكرم، أي: فتزوجوهن. أو كان ذلك مبالغة في تواضعه لهم، وإظهار لشدة امتعاضه، مما أوردوا عليه، طمعاً في أن يستحيوا منه، ويرقوا له إذا سمعوا ذلك فيتركوا ضيوفه- هذا ملخص ما في الكشاف ومن تابعه- وظاهر أنه عليه السلام كان واثقاً بأن قومه لا يؤثرونهن بوجه ما، مهما أطرى وأطنب وشوق ورغب، فكان إظهاره وقاية ضيفانه، وفداءهم بهن، مع وثوقه المذكور وجزمه،- مبالغة في الاعتناء بحمايتهم، وقياماً بالواجب في مثل هذا الخطب الفادح الفاضح، الذي يدوم عاره وشناره، من الدفاع عنهم بأقصى ما يمكن لكيلا ينسب إلى قصور، وليعلم أن لا غاية وراء هذا لمن لا ركن له من عشيرة أو قبيلة، فذلك غاية الغايات في حيطتهم ووقايتهم.
وفي قوله: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} من التشويق، على مرأى من ضيفانه ومسمع، ما فيه من زيادة الكرم والإكرام، ورعاية الذمام. وبالجملة فهو ترغيب بمُحال الوقوع باطناً، وإعذار لنزلائه ظاهراً- والله أعلم- وفي هذا إرشاد إلى التطهر بالطرق المسنونة، وهي النكاح. وإشارة إلى تناهي وقاحة أولئك بما استأهلوا به أخذهم الآتي.
{فَاتَّقُواْ اللّهَ} أي: أن تعصوه بما هو أشد من الزنى خبثاً.
{وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} أي: ولا تهينوني وتفضحوني في شأنهم، فإنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره، فقد خزي الرجل، وذلك من عراقة الكرم، وأصالة المروءة. و{تخزون} مجزوم بحذف النون، والياء محذوفة اكتفاء بالكسرة، وقرئ بإثباتها على الأصل.
{أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} أي: فيرعوي عن القبيح، ويهتدي إلى الصواب.

.تفسير الآية رقم (79):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [79].
{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} أي: حاجة؛ إذ لا نريدهن، وفي تصدير كلامهم باللام المؤذنة بأن ما بعدها جواب القسم، أي: والله لقد علمت، إشارة إلى ما ذكرناه من أنه كان واثقاً وجازماً بعدم رغبتهم فيهن، وأيد ذلك قولهم: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} استشهاداً بعلمه.

.تفسير الآية رقم (80):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [80].
{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} أي: بدفعكم قوة، بالبدن أو الولد: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} أي: عشيرة كثيرة، لأنه كان غريباً عن قومه، شبهها بركن الجبل في الشدة والمنعة.
أي: لفعلت بكم ما فعلت، وصنعت ما صنعت.
تنبيه:
قال الإمام ابن حزم رحمه الله في الملل:
ظن بعض الفرق أن ما جاء في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد» إنكار على لوط عليه السلام. ولا تخالف بين القولين، بل كلاهما حق، لأن لوطاً عليه السلام إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش، من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين. وما جهل قط لوط عليه السلام أنه يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة، وأشد ركن. ولا جناح على لوط عليه السلام في طلب قوة الناس، فقد قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: من الآية 251] فهذا الذي طلب لوط عليه السلام. وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين منعه حتى يبلغ كلام ربه تعالى. فكيف ينكر على لوط أمراً هو فعله عليه السلام. تالله ما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر أن لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد، يعني من نصر الله له بالملائكة. ولم يكن لوط علم بذلك. ومن اعتقد أن لوطاً كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد، فقد كفر، إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر. وهذا أيضاً ظن سخيف؛ إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات، وهو دائباً يدعو إليه، هذا الظن. انتهى.

.تفسير الآية رقم (81):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [81].
{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} أي: إلى إضرارك بإضرارنا: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ} أي: بطائفة من آخره، أي: ببقية سواد منه عند السحر، وهو وقت استغراقهم في النوم، فلا يمكنهم التعرض له ولا لأهله. وقرئ: {فَأَسْرِ} بالقطع والوصل.
{وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} أي: لا ينظر إلى ورائه، لئلا يلحقه أثر ما نزل عليهم: {إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} أي: من العذاب، فإنها لما سمعت وجبة العذاب التفتت فهلكت.
قال في الإكليل: فيه أن المرأة والأولاد من الأهل.
{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} أي: موعدهم بالهلاك الصبح، والجملة كالتعليل للأمر بالإسراء، أو جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب، أو ذكرت ليتعجل في السير، فإن قرب الصبح داع إلى الإسراع في الإسراء، للتباعد عن موقع العذاب.